أحكام شرعيةإسلامياتالأموال والاقتصادالتجارةمعلومات إسلامية

البيوع المحرمة في الإسلام؛ البيوع المنهي عنها وشروط صحة البيع والشراء

يحتاج الإنسان دائماً إلى التعامل مع الآخرين وتبادل المنافع معهم لسد احتياجاته. والبيع من المعاملات التي اعتمد عليها العرب منذ القدم، فكان البيع والتجارة من أهم أسس الحياة الاقتصادية عند العرب. وقد أباح الإسلام البيع والشراء لتحقيق المصلحة المتبادلة بين البائع والمشتري. ولكنه قد نهی أيضاً عن أنواع البيوع المحرمة التي تضر بمصلحة الفرد والمجتمع. ومن الجدير بالذكر أن البيوع المحرمة في الإسلام لها صور كثيرة ومتعددة؛ فمنها ما يحرم بيعه لذاته، كبيع الخمر والمواد المخدرة وما شابه ذلك، ومنها ما يحرم بيعه لعلة أو نقصان شرط فيه، فإن زال السبب أصبح البيع حلالاً. ونتناول في مقالنا شرحاً مفصلاً حول أنواع البيوع المحرمة والبيوع المنهي عنها وشروط صحة البيع والشراء.

البيوع المحرمة في الإسلام وأسباب البيوع المحرمة

البيوع المحرمة

البيع والشراء من أهم سبل اكتساب المال في الحياة. وقد أباح الله عز وجل البيع والشراء طالما أنها لا تدخل في دائرة البيوع المحرمة، فقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.

ومما ورد في السنة المطهرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد باشر البيع والتجارة. كما شاهد الناس يباشرون البيع والشراء فأقرهم ولم ينههم عن ذلك.

كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده)؛ رواه أحمد والطبراني وغيرهما. والمقصود بالبيع المبرور هنا هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخُن ولم يعصِ الله فيه.

وقد أجمع علماء المسلمين على جواز البيع والشراء لتتحقق منفعة الطرفين، البائع والمشتري. وذلك بهدف الوصول إلى تبادل المنافع وتحقيق المصلحة العامة وصلاح المجتمع من خلال عملية البيع والشراء أو عملية التجارة. وقد اشترطت الشريعة الإسلامية الإلتزام بشروط صحة البيع والشراء والتعامل في البيوع الحلال في الإسلام. وكذلك تجنب البيوع المنهي عنها وكل يدخل في دائرة الشبهات والمعاملات المحرمة.

وقد نهى الإسلام عن ذلك لما له من آثار تضر بالفرد والمجتمع، مثل الظلم، والغش والخداع. بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالغير وإفساد المجتمع وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الضرر و منع تحقق المصلحة العامة.

اقرا أيضاً:

البيوع في الإسلام و تعريف البيوع المحرمة

البيوع المحرمة

وقد اختلفت المذاهب الفقهية وعلماء الدين في تحديد شروط البيع وبيان حرمانيته وتحديد أنواع البيوع المحرمة وصورها.

وتشمل البيوع في الإسلام نوعين رئيسيين: البيوع الحلال و البيوع المحرمة في الشريعة الإسلامية.

والمقصود ب البيوع الحلال في الإسلام هي البيوع التي تحقق الشروط والضوابط التي وضعها الإسلام وبينها علماء المسلمين في فقه المعاملات الإسلامية.

وأما البيوع المحرمة في الإسلام فهي تلك التي منعها الإسلام لظهور ما يؤثر في مشروعيتها، مثل: التدليس والغش وإلحاق الضرر ونشر الفساد، أو إلحاق ظلمٍ بالبائع أو بالمشتري، أو البيوع التي يترتب عليها إهمال واجب ديني كالبيع والشراء أثناء صلاة الجمعة.

شروط صحة البيع والشراء | الحلال والحرام في البيع والشراء

البيوع المحرمة

شرع الله سبحانه البيع والشراء بين المسلمين، وجعل له شروط وضوابط صارمة حتى يكون البيع والشراء صحيحاً وتكون البيوع حلالاً.

وتشمل شروط صحة البيع والشراء ما يلي:

  • توافر شروط أهلية البيع من البلوغ والعقل والرشد والحرية.
  • ملكية المعقود عليه أو السلعة المباعة والقدرة على توفيرها وتسليمها؛ فلا يصح للبائع أن يبيع شيئاً لا يملكه، ولا يجوز بيع المعدوم.
  • أن يكون المباع من الأمور المباح استخدامها والانتفاع بها في الشريعة الإسلامية؛ فلا يصح بيع ما لا نفع فيه، أو بيع ما حرم الله؛ كبيع الخمور ولحم الخنزير والمعازف والمواد المخدرة وما شابه ذلك.
  • ألا تتسبب عملية البيع في حدوث ضرر أو خسارة للبائع أو المشتري، وإلا أصبحت من البيوع المحرمة.
  • ألا يكون البيع محدداً لمدة معينة؛ كمن يبيع سلعة لشخص آخر لمدة عام على سبيل المثال. وذلك يتنافي مع مبدأ البيع الأساسي وهو التملك للأبد دون تحديد فترة زمنية معينة.
  • عدم الغرر أو الغش والمخادعة في وصف السلعة المباعة. وأن يكون المباع معلوماً برؤية أو وصف دقيق ومحدد. وأن يكون ثمنه محددا ومعلوماً أيضاً دون نزاع.
  • ألا يكون هناك ما يجبر أو يكره البائع أو المشتري على إتمام عملية البيع من مختلف أنواع الإكراه التي ينتفي معها وجود شرط الحرية و توافر إرادة حرة للبيع والشراء، وإلا أصبح البيع فاسداً

البيوع المحرمة في الشريعة الإسلامية

تشمل انواع البيوع في الإسلام – كما ذكرنا سابقاً- البيوع المشروعة أو البيوع الحلال، و البيوع المحرمة، والتي تنقسم لنوعين: البيوع المحرمة لذاتها والبيوع المحرمة لنقص شرط أو علة فيها.

البيوع المحرمة لذاتها

هي كل بيع كل شيء ليس له قيمة أو فائدة، أو شيء به ضرر أو فساد، أو شئ لا يكون حلالاً بحال من الأحوال ولا يجوز بيعه ولا استعماله في الشريعة الإسلامية.

ونذكر لكم فيما يلي أبرز هذه البيوع.

بيع الخمر ولحم الميتة ولحم الخنزير والأصنام وما شابه ذلك

حرم الله الميتة بأنواعها، وكل ما تم ذبحه بطريقة مختلفة عن طريقة الذبح في الشريعة الإسلامية، أي أنها لم تُذبح ذبحاً حلالاً. كما حرم بيع لحم الخنزير وكل ما يشابهه في إلحاق الضرر بصحة الإنسان، وذلك لقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ}. والتحريم في القرآن والسنة يشمل تحريم الأكل وتحريم البيع والشراء.

كما حرم الله تعالى شرب الخمر، وعبادة الأصنام، فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}. والتحريم هنا يشمل البيع والمتاجرة فيهما؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم بيعه وشرائه والانتفاع بثمنه.

بيع الدم والكلب والسِّنَّوْرِ

ورد النهي في الشريعة الإسلامية صريحاً عن بيع الدم، فهو من البيوع المحرمة على المطلق. ولا خلاف بين أهل العلم في حرمته؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرم الدم وأكد على تحريمه تحريماً مطلقاً يشمل سائر وجوه الانتفاع به، ومن ذلك بيعه لأخذ ثمنه.

أما بيع الكلب، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز بيع الكلب مطلقاً، سواء كان كلب صيد أو حرث أو ماشية، أو كلباً صغيراً أو كبيراً، ولا يجوز دفع المال لقاء شراء الكلب.

أما الإمام أبي حنيفة رحمه الله، فيرى جواز بيع الكلب مطلقاً لما فيه من المنافع.

وهناك قول ثالث يستثني من جواز بيع الكلب بيع الكلب العقور وهو الكلب المتوحش الجارح أو الكلب المسعور؛ فذلك من البيوع المحرمة لما فيه من ضرر على الناس.

وهناك قول رابع بجواز بيع كلب الصيد والماشية والزرع، وهو قول مأثور عن بعض الصحابة، وقد قال به جابر بن عبد الله رضي الله عنه، و إبراهيم النخعي، وزيد بن علي بن الحسين.

أما في مذهب الإمام مالك رحمه الله، فيجوز بيع الكلب لمن ينوي أكله؛ لأن هناك قولاً في مذهب المالكية أنه يجوز أكل الكلب لأنه طاهر. ويستدلون على طهارته بجواز أكل صيده.

أما السِّنَّوْرِ- وهو القط – فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه أيضاً. فعن أبي الزبير، قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ: (زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ)، أي نهى عنه بشدة.

بيع الصور والصليب من البيوع المحرمة

اختلف الفقهاء في حكم بيع الصور، وهناك عدة أقوال مختلفة يمكن إجمالها في قولين:

  • القول الأول: هو مذهب المالكية، وهو يحرم من التصاوير ما كان كامل الأعضاء، وأن يكون له ظل؛ وهذا يعنى أن يكون تصوير مجسم، وأن يكون مصنوع من مادة تدوم مثل المعدن، والحجارة. أما المرسوم والمنقوش بالقلم والألوان وما شابه ذلك فلا يحرم.
  • القول الثاني: هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو يحرم تصوير كل ذي روح تحريمًا مطلقًا، سواء أكان للصورة ظل (مجسمة) أو بلا ظل (مرسومة أو مصورة). ويستثنى من ذلك لعب الأطفال والدمى للعب، والصور الممتهنة والمرسومة على الثياب. أما ما ليس له روح، مثل رسم أو تصوير الشجر والنباتات والحجر وما شابه ذلك فلا حرمة فيه.

أما بيع الصلبان وشراؤها فهو من البيوع المحرمة على المطلق؛ فعن ‌عمران بن حطان قال: أن ‌عائشة رضي الله عنها حدثته «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه»، أي أزاله.

بيع آلات اللهو والمعازف

اتفق الفقهاء على حرمة بيع آلات اللهو والمعازف والآلات الموسيقية إذا كان الغرض منها العزف أو اللهو والفساد. فهى هنا من البيوع المنهي عنها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ ‌وَالمَعَازِفَ).

بيع الدخان والمواد المخدرة وما شابه ذلك

اتفق العلماء على أن بيع الدخان من البيوع المحرمة؛ وذلك لثبوت ضرره على صحة الإنسان، وأيضاً لما فيه من الإسراف وتبذير المال.

أما بيع الحشيش والمواد المخدرة، فقد نقل الإمامان الجليلان القرافي وابن تيمية -رحمهما الله تعالى- الإجماع على تحريم تعاطيها أو بيعها، فهى من الخبائث التي حرمها الله.

البيوع المحرمة لعلة أو نقصان شرط

النوع الثاني من البيوع المحرمة، هي البيوع المحرمة لعلة أو نقصان شرط أو ما شابه ذلك. ويندرج تحت هذا النوع عدة أنواع، نذكر منها ما يأتي.

البيوع المحرمة بسبب الغرر أو الجهالة

بيع الغرر هو بيع شئ معدوم أو غير موجود. أما بيع الجهالة فهو بيع شيء صفته ليست معلومة أو محددة.

ومن صور بيع الجهالة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم-: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلَامَسَةِ، ‌وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ).

المحاقلة هي بيع الزرع قبل بدو صلاحه بزرع آخر أو بيع الزرع القائم بالحبوب أو الثمار وليس بالمال، وقد لا يكون الزرع متماثلا، فهو بيع معلوم بمجهول وفي ذلك شئ من الربا. وكذلك بيع القمح مثلاً بأي شيء وهو مازال في السنابل، وهو بيع مجهول.

والمزابنة هي بيع الرطب في النخل بالتمر كيلاً أو بيع العنب بالزبيب وما شابه ذلك. والمخاضرة هي استئجار الأرض لزرعها مقابل بعض ما تنبته.

والملامسة هي بيع شئ بدون مشاهدته أو تحديده مسبقاً، على أنه متى لمسه وقع البيع أيا كان. والمنابذة أن ما يتم نبذ الشئ – أي رميه – على الرجل، فقد اشتراه قبل أن يعاينه أو ينظر إليه. وسبب كون ذلك من البيوع المحرمة هو كون المبيع مجهولًا لا يعلم ولا يتم تحديده أو معاينته مسبقاً.

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وهو أن يتم شراء ما تقع عليه الحصاة أو شابهها عند رميها. وكذلك أن يتم بيع مقدار ما تبلغ الحصاة إذا تم رميها في حقل أو أرض مثلاً، فقد وجب هنا البيع بمقدار ما يبلغ رمي الحصاة.

ومن أمثلة بيع الغرر والجهالة أيضاً بيع حبل الحبلة، أي بيع ولد الناقة الذي لم يولد بعد بثمن مؤجل. وكذلك بيع المضامين، وهو بيع كل ما كان في أصلاب الإناث من الأجنة. وبيع الملاقيح وهو بيع ما في أصلاب الرجال.

ومن البيوع المحرمة أيضاً بيع عسب الفحل، وهو أخذ مقابل مادي أو مبلغ من المال مقابل قيام الحيوان الذكر بتلقيح الأنثى من جنسه.

البيوع المحرمة بسبب الربا

صور البيوع المنهي عنها بسبب الربا كثيرة، ومنها بيع العينة. وبيع العينة هو أن يبيع التاجر السلعة مؤجلة، ثم يشتري التاجر نفسه البضاعة نفسها من المشتري نفسه نقدا بسعر أقل.

البيوع المحرمة بسبب الضرر أو الخداع

وهي بيوع منهي عنها لما يكون فيها من غش وخداع وإحداث ضرر أو إفساد. ومنها:

  • بيع الرجل على بيع أخيه.
  • بيع النجش: وهي أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، بل ليتم توريط غيره في الشراء.
  • بيع الركبان: وهو أن يقوم التجار بتلقي السلع الواردة قبل ورودها إلى السوق من أجل أن يأخذها بسعر أقل.
  • بيع الحاضر للباد: وهو بيع الشخص الغريب عن البلد الذي لا يعرف الأسعار، فيستغل المشتري جهله ويأخذ منه السلعة بسعر أقل.
  • الاحتكار: وهو أن يقوم التاجر أو البائع بشراء السلعة بثمن رخيص، ثم يقوم بتخزينها ومنعها عن السوق ليبيعها في الغلاء.

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم البيع في المسجد؛ إكراماً له ولحرمته. وتحريم البيع والشراء في وقت صلاة الجمعة؛ وذلك لقوله الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}.

وبهذا نكون قد استعرضنا معكم أبرز أنواع البيوع المحرمة والبيوع المنهي عنها في الإسلام. وكذلك حكم البيع والشراء وشروط صحته. ونسعد باستقبال تعليقاتكم واستفساراتكم.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments